عاجل

مصدر: أمريكا لا تزال تنظر في فرض عقوبات على وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي    وكالة دمير أورين للأنباء: الحكم بالسجن المؤبد على سورية بتهمة الضلوع في تفجير بإسطنبول    وسائل إعلام عبرية: حدث صعب للغاية على حدود لبنان وشمال فلسطين المحتلة    

لازالت تصدّق ... بقلم سلوى عباس

2017-02-12

كانت الطفلة ابنة العشر سنوات تفتح نافذة قلبها للحياة دائماً وتعيشها بكل براءة، لا تحسب حساباً لأحد في تصرفاتها، وعلى حين تعب قررت أن تقلع عن عادة الكذب التي كانت تعتمدها لتنجو بنفسها من أي مأزق أو خطأ تقع فيه، وفي كل مرة تكذب فيها كان ضميرها يؤنبها، فتعاهد نفسها أن تكون آخر مرة ترتكب فيها خطأ، إلى أن جاءت لحظة شعرت بعبء ما تفعل وأخذت قرارها بالابتعاد عن الكذب، وأن تعتمد الصدق سلوكاً حياتياً في أي أمر تقوم به، مهما كانت عواقبه، وربما ما ساعد هذه الطفلة على أن تلتزم بقرارها، السبب ذاته الذي جعلها تكذب، وهو احتضان المحيط لها واهتمامهم بها، إضافة إلى ما تعلمته في المدرسة والبيت من قيَّم حول الكذب والصدق، وقيم أخرى عليها الالتزام بها في حياتها.

الآن وقد كبرت هذه الطفلة، كانت صدمتها بأن واجهت زمناً يُعتمد فيه الكذب الذي تخلت عنه في صغرها مبدأ سائداً لدى كثيرين، والقيم التي تعلمتها ما هي إلا نظريات لا تتطابق مع معطيات هذه الأيام التي أسبغت عليها الحرب مبرراتها وقيمها، والطفلة التي كبرت في الزمن، ظلت طفولتها تناغشها وتسبب لها الكثير من التعب، حيث تجلى العتم أمامها وكأنه لا ينتهي على شمس، فتستنجد بيد من حب تضيء سوادها وتؤلّق روحها بالنور، وتبعث فيها القدرة على احتمال سواد هذا الزمن، لترى نفسها هائمة في الحياة كيمامة ضلت طريق عشها، يتلبسها حزن دبق كشبكة كبيرة لُفت حول سمكة ضائعة، كلما حاولت الإفلات زادت الحبال حولها تشابكاً، فتبقى في مرمى الدهشة مما يجري، دون أن تستطيع التأقلم مع واقع لا يتطابق مع ما علمّتها إياه أمها ومدرسّاتها. أمها علمتها أن لا تكذب لكن الآخرين كذبوا عليها، وعلمتها أن لا تسرق فسرق البعض سنيناً من عمرها، كذلك علمتها أن لا تخون فخانها الحظ مرات ومرات، لكن المشكلة الأهم والأصعب التي تواجهها حتى الآن أنها مع كل ذلك لازالت تصدق ما قالته لها أمها وتتمسك به في محاولة لاستجماع كل الرماد وكل الإحساس بالاختناق، لترمه في بحر ما ثم تأوي إلى ذاتها تمسح عنها هباب الزمن الذي زرع فيها كل خيباته واندحاراته، تحاول اختراق جدران الوقت والهروب من ذكريات شقيّة عودتها العذاب وأفقدتها قدرتها على مقاومة الصعاب. يجب أن ترسم على وجهها ملامح ما.. أن تنتمي إلى فئة ما، وتقتنع أنه في هذا الزمن كل شيء أصبح معقولاً، بعد أن فقدت الحياة بوصلتها الحقيقية.


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account