اعتِقال روسيا لأحد أكبر الخُبراء في صِناعة الصّواريخ الفَرط صوتيّة بتُهمة العمالة لأمريكا اختراقٌ قاتل وفي أكثر الأوقات حساسيّة.. هل دخلت حرب الجواسيس الفصل الأشرس بين القُوّتين العُظميين على أرضيّة الحرب في أوكرانيا وشرق آسيا؟ ولماذا كشفت وكالة “تاس” الرسميّة عن الجاسوس الآن؟.. بقلم: عبد الباري عطوان


اعتِقال روسيا لأحد أكبر الخُبراء في صِناعة الصّواريخ الفَرط صوتيّة بتُهمة العمالة لأمريكا اختراقٌ قاتل وفي أكثر الأوقات حساسيّة.. هل دخلت حرب الجواسيس الفصل الأشرس بين القُوّتين العُظميين على أرضيّة الحرب في أوكرانيا وشرق آسيا؟ ولماذا كشفت وكالة “تاس” الرسميّة عن الجاسوس الآن؟.. بقلم: عبد الباري عطوان

اعتقال السّلطات الروسيّة أندريه شبيلوك المسؤول عن دائرة أبحاث صواريخ الأسرع من الصّوت، والخبير الروسي الأبرز في هذا الميدان بتُهمة التجسّس، وتسريب معلومات لأجهزة المُخابرات الأمريكيّة يُعتبر ضربةً مُؤلمة للقِيادة الروسيّة، والرئيس فلاديمير بوتين على وجه الخُصوص في هذا الوقت الحرج الذي يخوض فيه حربًا في أوكرانيا، وتُحَقِّق قوّاته إنجازات عسكريّة ضخمة.

لم نُصَدِّق هذا الخبر، واعتبرناه أحد فُصول الحرب النفسيّة المُستَعِرَة حاليًّا بين القُوّتين العُظميين على أرضيّة الحرب بالإنابة الدّائرة بينهما في أوكرانيا، ولكن بعد التأكّد من أن مصدر هذا الخبر هو وكالة “تاس” الروسيّة الرسميّة، اتّضحت الصّورة بكُل جلاء.

الأمر المُؤكّد أن إقدام شخص في قيمة ومكانة شبيلوك رئيس مُختبر معهد نوفوسيبيرك المُتخصّص في الصّواريخ الأسرع من الصّوت (تِسع مرّات)، يُشَكِّل اختراقًا أمنيًّا خطيرًا لأكثر المؤسّسات العسكريّة الروسيّة سريّة وأمنًا، ممّا قد يُوحي بأنّه ربّما هُناك اختِراقات أخرى لا تَقِلّ أهميّة.

***

ما يجعلنا نذهب إلى هذا الحد والتوقّف عند خُطورة هذا الاختِراق، وطرح احتمالات باختراقاتٍ مُماثلة في مُؤسّسات عسكريّة أُخرى، أن زميلًا للعالم والبروفيسور شبيلوك يدعى ديميتري كولكر في المعهد نفسه توفّى بسرطان البنكرياس بعد أيّام من اعتِقاله قبل أيّام بتُهمة الخِيانة والتّخابر مع جهاتٍ أمريكيّة حسب ما جاء في تقرير لوكالة “رويترز” العالميّة للأنباء.

ولا نستبعد أن هذين الجاسوسين هُما اللّذان سرّبا أسرار هذا الاختِراع الصّاروخي الروسي الذي هَزّ المُؤسّسة العسكريّة الغربيّة في أمريكا وأوروبا وحِلف النّاتو، قد يكون وراء تطوير المُؤسّسة العسكريّة الأمريكيّة لصواريخٍ مُماثلة، والإعلان قبل شهر عن أوّل تجارب لها في هذا المِضمار، وربّما كانت هذه التّجارب هي التي فتحت أعيُن المُخابرات العسكريّة الروسيّة على هذا الاختِراق.

الصّواريخ الروسيّة الأسرع من الصّوت المُحمّلة برُؤوسٍ نوويّة من نوع “كينجال” و”تسيركون” و”مجمع “أفانغارد”، وأعلن عنها بوتين في شباط (فبراير) عام 2019، تستطيع الوصول إلى السّاحل الشّرقي الأمريكي في حواليّ سبْع دقائق، وبلغ مداها أكثر من خمسة آلاف كيلومتر، فصاروخ “كينجال” على سبيل المِثال مُمكن تحميله بطائرات “ميغ 31” ويستطيع إصابة أهداف على مدى أكثر من 2000 كم، ولا يُمكن رصده من قِبَل جميع أنظمة الدّفاع الجوّي والدّفاع الصّاروخي الحاليّة واللّاحقة، ودخَل الخدمة القتاليّة في الجيش الروسي مُنذ عدّة سنوات، أمّا الصّاروخ الفَرط صوتي من طِراز “أفانغارد” الباليستي العابر للقارّات، وزميله “سارمات” يُشَكِّلان ردًّا فعّالًا على أنظمة الدّفاع الأمريكيّة، ويُمكن أن يُحدِثا “تسونامي” يُدَمِّر مُدُن أمريكيّة عُظمى بإغراقها بأمواجه العالية جدًّا.

الجاسوس شبيلوك سيكون الصّندوق الأسود بالنّسبة إلى أجهزة المُخابرات الروسيّة، بسبب المعلومات التي سيكشفها عن خلايا التجسّس الأمريكيّة العاملة في روسيا، وكيفيّة عمليّات وخطط التّجنيد لها من قِبَل مُشَغّليها الأمريكان، ولا نستبعد أن يكون الرئيس بوتين نفسه، باعتباره مسؤول سابق في جهاز الاستِخبارات السّوفييتي (KGB) هو الذي يُتابع هذا المِلف عن كثب، وأنّ رُؤوسًا كُبرى سيتم قطعها في المُؤسّسات الأمنيّة الروسيّة، بتُهمة الإهمال.

***

المعلومات ما زالت شحيحة عن هذه الشّبكات، ولكن كشف القِيادة الروسيّة عن اسم هذا العميل الأمريكي شبيلوك ووظيفته الاستراتيجيّة عالية الأهميّة والخُطورة، والضّرر الكبير الذي قد يكون ألحقه ببلاده بتعاونه مع المُخابرات الأمريكيّة، لا يُمكن أن يكون من قبيل الصّدفة ومجّانًا، ولا بُدّ أنّ هُناك أسبابًا تقف وراء هذا الكشف، وربّما إحداها توجيه رسالة تحذير للأجهزة الأمنيّة الأمريكيّة من الصّعب علينا التكهّن بمضمونها.

حرب الجواسيس ازدادت اشتعالًا بين القُوّتين العُظميين، بالتّوازي مع الحرب الأوكرانيّة، وتصاعد التوتّر بين الصين وأمريكا في شرق آسيا بعد الزّيارة الاستفزازيّة للسيّدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النوّاب الأمريكي على رأس وفد يضم 23 مُشَرِّعًا وقائد الأسطول الأمريكي في المُحيط الهادي لجزيرة تايوان، وكادت أن تُؤدّي إلى مُواجهةٍ عسكريّة أمريكيّة صينيّة.

 

العالم يسير بشَكلٍ مُتسارع إلى حربٍ عالميّة ثالثة، ربّما تُؤدّي إلى تدمير العالم، والأسابيع والأشهر المُقبلة قد تكون حافلة بالعديد من المُفاجآت، ولعلّ حرب الجواسيس هذه هي بداية سُقوط أحجار الدومينو.. واللُه أعلم.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=895