إيران ــ أميركا: إعادة فهم لمسألة القوة.. حسام مطر


إيران ــ أميركا: إعادة فهم لمسألة القوة.. حسام مطر

مَن الأقوى إيران أم الولايات المتحدة؟ يكثر تداول هذا السؤال مؤخراً ربطاً بالتوتر المتصاعد بين الدولتين منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي متنكرة لالتزاماتها الدولية. بالمناسبة ربما يكون هذا الانسحاب الأميركي الدليل الأبرز على إدراك الأميركيين لمدى تراجع هيمنتهم داخل النظام الدولي إلى حدّ التجرؤ على تقويضه في مجال بهذه الحساسية. وسبق أن أشارت استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب إلى أن منافسي واشنطن يستغلّون النظام الدولي بشكل غير عادل لاكتساب ميزات تمنحهم أفضلية تنافسية لتجاوزها. وقد استشرف المؤرخ البريطاني نيال فيرغسون هذا السؤال منذ عام 2005 عن ما إذا كانت أميركا ستلتزم بقواعد النظام الدولي حين ترى أنه لم يعد يعمل لصالحها، باعتبارها معضلة عانت منها قوى الهيمنة السابقة.

القوة والسياق
بالعودة إلى سؤال القوة، وهو سؤال شائك ويمثل لبّ السياسة الدولية، فكما يقال القوة هي «عملة» السياسة الدولية أو أن السياسة العالمية هي «مملكة القوة». إن السؤال عن من الأقوى ينطوي على ضرورة تعريف القوة والذي هو في حدّ ذاته ممارسة للقوة كما يوضح ستيفانو غوزيني، باحث في المعهد الدانماركي للعلاقات الدولية. يوضح غوزيني حجته من خلال رفض كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة لكل تعريفات القوة التي تؤكد على العوامل غير العسكرية، ما أدى بهما إلى المزيد من التسلّح والتدخلات العسكرية.
هناك مقاربتان رئيسيتان لتحليل القوة في العلاقات الدولية: الأولى مقاربة «القوة كموارد» والتي تعتبر أن الأقوى هو صاحب الموارد الأكبر وبالتحديد الموارد المادية التي اتسعت بمرور الوقت من كونها تقوم على موارد السكان وعديد الجيش ومساحة الإقليم والكفاءة الزراعية إلى عناصر التكنولوجيا والتنظيم أيضاً. وفق هذه المقاربة التقليدية يمكن التقدير ببساطة أن الولايات المتحدة أكثر قوة من إيران، ولكن كيف انهزمت أميركا في فيتنام والعراق وأفغانستان أو كيف انتصر حزب الله في لبنان والمقاومة في غزة؟ لذلك واجهت هذه المقاربة انتقادَين رئيسيين: أولاً، إن القوة لا تتساوى تلقائياً مع التأثير لأن الكفاءة في استخدام موارد القوة وتوظيفها هي التي تحدد مستوى التأثير، فالأهم هو «إستراتيجية التحويل». وثانياً، قابلية الموارد نفسها للتحويل، وهذه القابلية يعرّفها دافيد بالدوين، عالم سياسي في جامعة برينستون، بأنها تشير إلى «السهولة التي يمكن بها استخدام موارد القوة من مجال ما بشكل مفيد في مجالات لقضايا أخرى أيضاً».
هنا ظهرت مقاربة مقابلة وهي «القوة العلائقية» أو القوة كعلاقة، والتي تفيد أن القوة تتمثل في القدرة على تحقيق النتيجة المفضلة في حالة معينة. وهذا يعني أن سؤال القوة لا يمكن إلا أن يكون مقيداً، من الأقوى بوجه من؟ وفي أيّ نطاق؟ وأيّ مجال؟ وبأية تكاليف؟ في المقاربة «العلائقية»، القوة هي «عملية تفاعل حيث هناك دولة قادرة على ممارسة النفوذ على أعمال دولة أخرى» أو «قدرة شخص أو مجموعة من الأشخاص على التأثير على النتائج بحيث تكون أفضلياتهم لها الأسبقية على أفضليات الآخرين».
إذاً، لو كنا نطرح سؤال القوة بين واشنطن وطهران خلال النصف الأول من القرن الماضي، لكان الجواب واضحاً، بالاستناد إلى مقاربة «القوة كموارد» وبقياس الموارد المادية للطرفين واشنطن الأقوى من دون شك. إلا أننا اليوم في عالم مختلف تماماً، فسؤال القوة غدا معقداً ومركباً ومتداخلاً. فهل الولايات المتحدة أقوى؟ أي هل واشنطن قادرة على إكراه إيران على التصرف بعكس تفضيلاتها الأولية بما يناسب واشنطن؟ يعني هل واشنطن قادرة بالزجر والإكراه (العسكري والاقتصادي تحديداً) على فرض شروطها على إيران في البرنامج النووي والباليستي والسياسات الإقليمية؟ بالنظر إلى مقاربة القوة العلائقية لماذا تبدو إيران هي الأقوى؟
أولاً: القدرة على فهم الخصم 
عانى الأميركيون بالعموم من معضلة فهم إيران ومن أبرز أسباب ذلك أنهم فهموها من خلال «المهزومين»، أي أنصار الشاه الذين فروا إلى الغرب وحرضوا ضد إيران الثورة بشكل مضلل. يرى ديفيد هوتون، محاضر في علم النفس السياسي، أن الأميركيين يعانون منذ انتصار الثورة من فجوة في «تفهّم» الإيرانيين (أي تقمص الموقف الإيراني وأيديولوجيته ونظرته إلى العالم وتقويمه للوضع)، فكانت مشكلة كارتر ومستشاريه عام 1979 أنهم لم يستطيعوا فهم خيارات الإمام الخميني ولذا صنّفها الأميركيون باعتبارها سلوكاً غير عقلاني، كما لم يفهموا أهمية التاريخ في الشرق الأوسط من قبيل استمرار تأثيرات دعم الانقلاب ضد حكومة مصدّق عام 1953، على ما يقول هوتون
يتضح حتى اللحظة أن ترامب وإدارته فشلوا في فهم صانع القرار الإيراني. ترامب تحديداً كان جازماً في أن الإيرانيين سيرضخون حين تشتد نتائج العقوبات وسيحصل على تسوية جديدة باسمه. فالنظام الإيراني، كأيّ نظام آخر، لن يفكر إلا بالنجاة وسيقدم التنازلات ويستطيع أن يتلاعب بشعبه كيفما كان ليخفي ذلك، هذا كان منطق ترامب. قد يكون الرئيس الأميركي مارس ما تسميه «نظرية العزو» (من علم النفس السياسي) بـ «موجّه الحضورية» التي تُستخدم عند تقدير احتمال وقوع شيء بناء على مدى حضور ذلك الشيء في الذهن لكونه حصل حديثاً. فهل قام ترامب بهذا من خلال إسقاط تجربته مع كوريا الشمالية على إيران؟ في المقابل من المحتمل جداً أن بعض من هم في الدائرة المحيطة بترامب يدركون أن إيران لن ترضخ لهذا الابتزاز ومحاولة الإذلال الأميركية، وأن إيران ليست مجرد نظام، بل «آخر نظام ثوري على وجه الأرض» بحسب برايان هوك، مسؤول ملف إيران في الإدارة الأميركية، ولذا فإن حساباته وعملية صنع القرار فيه أكثر تعقيداً.

Copyrights © assad-alard.com

المصدر:   http://www.assad-alard.com/detailes.php?id=580