عاجل

مياه الشرب تهدد الأميركيين بـ"أمراض خطيرة"    هل زودت تركيا إسرائيل بالمعلومات لصد الهجوم الإيراني ؟    الميادين: نيران من لبنان باتجاه هدف عسكري في محيط عرب عرامشة    

الدين وهؤلاء ..بقلم طه العامري ..كاتب يمني

2017-07-23

الدين وهؤلاء..بقلم طه العامري..كاتب يمني

 

الدفاع عن الدين لا يحتاج لصرخة ولا يحتاج لبندقية ، ولا يحتاج لمدفع ولا لدبابة ..الدفاع عن الدين يحتاج لأن نتحلى بقيمه ونعمل بتعاليمه ، ونتطبع بثقافته ، وان نقتدي برسوله وبإخلاقياته ، وأن نتدين كما أمرنا الله وليس كما تأمرنا المرجعيات الصنمية ،وكما أمرنا رسوله الكريم ، لا كما يأمرنا العالم فلان والعلامة زعطان فكل علمائينا هم علما دنياء وليسوا علماء دين ..نتدين كما امرنا الله سبحانه وتعالى وكما امرنا رسوله الخاتم عليه الصلاة والسلام الذي وصفه الله بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ويصف الرسول الكريم نفسه بالقول ( إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) لم يقول عليه الصلاة والسلام بعثت من اجل اعلمكم الدين ، ولم يقول بعثت من اجل اطهركم من رجس الجاهلية واوثانها ، بل قال بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..
أن الدفاع عن الدين لا يكون بهذا الزعيق والنعيق في زمن التطور والتقدم العلمي الهائل ، زمان التقنية والجيل الخامس منها والتقدم الحضاري والعلمي الهائلين للبشرية ، الدفاع عن الدين في هذا الزمن لا يكون كما اسلفت عبر الزعيق والنعيق والتحريض والتكفير ضد الاخر ، أو إزدراء قيمه ومعتقداته ، بل بالحوار الحضاري والفكر الخلاق المستمد شرعيته من الدين وتعاليمه ومن سيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، وبقيم واخلاقيات الدين ومن خلال التحلي بكل تعاليم الدنيا والعمل بقوله تعالى ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) وعملا بقوله تعالى ( والكاظمين الغيض والعافين عن الناس ) وهو القائل سبحانه ( وجادلهم بالتي هي احسن فان الذي بينك وبينه عداوة كانه وليا حميم ) ويحضنا الدين الإسلامي على اداب الحوار والدعوة القائمة على الحجة وعلى الصبر والحكمة والحصافة وسعة الأفق ، لدرجة إنه سبحانه امرنا بأن لا نسب آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله ، هذه هي قيم الدين الذي هو برئ من كل مزاعمنا وما نمارسه من سلوكيات هو أبعد من الدين ولكنه مسخر من أجل الدنياء ومن أجل تحقيق أطماعنا وغايتنا الدنيوية..
مشكلة المسلمين اليوم وفي الأمس وفي القديم ومنذ سقيفة بني ساعدة مشكلتهم ليست مع الدين بل مع أطماع الدنياء التي دفعتهم لتسخير دينهم وتوظيفه في خدمة دنياهم فقد كانت البداية على السلطة والحكم والثروة وحتى اليوم ونحن لا نزل نوظف الدين في سبيل تلك الغاية التي فرقت صحابة رسول الله وهم من عائيش نبي الرحمة وشاركوه مسيرته ومع ذلك هم بشر يصيبون ويخطئون وليسوا معصومين عن الخطاء ، ولمجرد رحيل الرسول إلى جوار ربه برزت الفتنة وخاضوا صحابته فيها إلا من رحم ربي ، واجتهد كل واحد منهم والتف المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهكذا ذهب كل طرف مذهبه ليؤسسو لمنظومة من السلوكيات والقيم والمفاهيم ما انزل الله في غالبها من سلطان ولكنها الحياة الدنياء فرضت قوانينها وتشريعاتها ولانزل ندفع الثمن حتى اللحظة وسنظل كذلك إلى يوم الدين ، فنحن من امرنا ان اختلفنا على شيء فنرده إلى الله ورسوله ، ومع ذلك لم نعمل ذلك بل ذهب كل طرف يسعى لفرض خياراته وقناعته الدينية وطقوسه بالقوة ويعد كل معارض له مرتد وزنديق ومارق وكافر وخارج من الدين وواجب قتله او سحقه وبكل الوسائل المتاحة..
ان الدفاع عن الدين لا يكون عبر الطرق التي يعتمدها كهنة الدين ودعونا نتذكر رد رسول الله وهو في صحن الكعبة حين اتاه إعرابيا وهو ينادي يا محمد ..يا محمد ..يا محمد فألتفت إليه الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم مستفسرا عن حاجته فسأل الإعرابي الرسول بقوله ( ما هو الدين ؟) فرد عليه الحبيب المصطفي بالقول ( الدين حسن الخلق ) ..صدقت يا سيدنا يا رسول الله يا بعثك الله لتتمم مكارم الإخلاق ، فلا دين لمن لا إخلاق له..
ذات يوم مؤغل رسى قارب على شاطئ جزيرة جاوا الإندونيسية ، وهبط منه مجموعة ركاب قدموا من الجزر المجاورة والمعروفة حينها بجزر الملاوي ، اولئك الركاب كانوا مجموعة يمنيين متسلحين بقيم الدين واخلاقياته وادابه وبسيرة الرسول المصطفى وسلوكياته ، فعملوا في تلك الجزيرة على إقامة بعض المشاريع الخاصة ، واحد أفتتح بقالة ، واخر أفتتح مطعما ، وثالت ، أفتتح محل للخضروات ، ورابع أفتتح معمل خياطة ، وفي حي مسكون بناس لا يعرفون للدين حكاية كل الاديان لا وجود لها في حياتهم ، فكان فيهم البوذي والهندوسي وعابد زرادشت ، وتابع كونفيشوس ، وهكذا دواليك ، عمل اولئك النفر على متابعة شئونهم اليومية ، وتعاملوا مع الناس بإخلاق راقية ، وبسلوك إسلامي تجسد فيه قول الله مع سلوك اولئك النفر من الناس ، فكان يأتي أبن الجزيرة إليهم وينسي شئيا من متاعة فليحقه احدهم ياخي نسيت هذا ..ويأتي اخر ويقف متأملا ، فيسأله صاحب المحل هل لك حاجة فيقول المواطن نعم ولكن لا املك القيمة فيقوله خذ ولما تفرج عليك سدد ، ياتي احدهم وهم على وجبة الغداء او الصبوح او العشاء فلا يتركوه إلا وقد شاركهم النعمة ، تاتي اوقات الصلاة فيتجمعوا على مساحة مفتوحة ويصطفوا ويؤدوا فرائضهم والناس في تعجب من اخلاقيات هولاء ، وإذا مرض احد من سكان الحي تجد هولاء النفر يهرولون لزيارته وتقديم الواجب وان توفي اخدهم شاركوا في العزاء ورويدا رويدا إلى اليوم الذي قام فيه سكان الجزيرة بمظاهرة الى مواقع هولاء النفر وسؤالهم الوحيد من انتم ؟ هل انتم ملائكة هبطتم من السماء بصورة بشر ؟ فردوا عليهم ببساطة نحن بشر ولكن هكذا ديننا علمنا وهكذا نبينا امرنا ، إذا ما هوا دينكم ؟ وبماذا يأمر هذا الدين ؟ ومن هو نبيكم ؟ وماذا يقول ؟ هناء بدأ هولاء النفر يشرحون الدين ويستعرضون سيرة وسلوكيات النبي الخاتم صل الله عليه وسلم ، لينتشر دين الله في سبعة الف جزيرة في جنوب شرق اسياء ،لتصبح اندونيسيا اكبر دولة إسلامية لم تدخل الإسلام بالسيف ولا بالحرب ولا بالبنادق ولا بالصرخات ولا بالتكفير والذبح ،بل بحسن الخلق ، فالاندلس التي فتحت بالسيف وجرى فيها الدم للركب كما يقال وسيطرا عليها المسلمين 750 عاما ومع ذلك خرجت من الدين وارتكبت فيها المجازر بحق المسلمين الذين احرقوا احياء وبرعاية الكنيسة والبابا وبتعاليمه وإشرافه وإشراف كهنته ورهبانه وما كان هذا ليحدث لو ان المسلمين كانوا مسلمين وتعاملوا فيما بينهم وبينهم وبين المجتمعات بسلوكيات وقيم واخلاقيات الدين ولكنهم تعاملوا بقيم واخلاقيات الدنياء فتقاتل العرب هناك فيما بينهم وتنازعوا امرهم ، وتقاتل المسلمين فيما بينهم وحكموا بينهم من لا ينتمون للدين ولا يعترفون بدين فكان ان ذهب بعض العرب والمسلمين يستقوون على بعضهم بأطراف مسيحية ويهودية وحين رأي الغرب هذا التصرف سقطت هيبة الإيلام من اعينهم فاسقطوا المسلمين وابادوهم وطردوا من كان سعيد الحظ وعمره طويل..
الدين إخلاق ، والصلاة التي لا تنتهى عن الفحشاء والمنكر لا جدوى منها ، ومن لا اخلاق له لا دين له..
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..والله لا يخشى على الإسلام من اهله بل يخشى على الإسلام من المتأسلمين..


التعليقات

إدارة الموقع ليست مسؤولة عن محتوى التعليقات الواردة و لا تعبر عن وجهة نظرها

لا يوجد تعليقات حالياً

شاركنا رأيك

Create Account



Log In Your Account